كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذلك مثل ما كانوا يقولون في تلبية الحجّ {لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك}.
فمثل بطلان عقيدة الإشراك بالله بعضَ مخلوقاته بحالة أهل النّعمة المرزوقين، لأنهم لا يرضون أن يُشركوا عبيدهم معهم في فضل رزقهم فكيف يسوّون بالله عبيده في صفته العظمى وهي الإلهيّة.
ورشاقة هذا الاستدلال أن الحالتين المشبّهتين والمشبّه بهما حالتا مولى وعبد، كما قال تعالى: {ضرب لكم مثلًا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} [سورة الروم: 28].
والغرض من التمثيل تشنيع مقالتهم واستحالة صدقها بحسب العرف، ثم زيادة التشنيع بأنهم رضوا لله ما يرضونه لأنفسهم، كقوله تعالى: {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون} إلى قوله: {ولله المثل الأعلى} [سورة النحل: 57، 60].
وقرينة التمثيل والمقصد منه دلالة المقام.
وقوله تعالى: {فما الذين فضلوا} نفيٌ.
و{ما} نافية، والباء في {برادي رزقهم} الباء التي تزاد في خبر النفي بـ {ما} و{ليس}.
والرادّ: المعطي.
كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والخُمُس مردود عليكم» أي فما هم بمعطين رزقهم لعبيدهم إعطاء مشاطرة بحيث يسوّونهم بهم، أي فما ذلك بواقع.
وإسناد الملك إلى اليمين مجاز عقلي، لأن اليمين سبب وَهمِي للمِلك، لأن سبب الملك إما أسر وهو أثر للقتال بالسيف الذي تمسكه اليد اليمنى، وإما شراء ودفع الثمن يكون باليد اليمنى عرفًا، فهي سبب وهَمي ناشىء عن العادة.
وفرعت جملة {فهم فيه سواء} على جملة {فما الذين فضلوا برادي رزقهم}، أي لا يشاطرون عبيدهم رزقهم فيستووا فيه، أي لا يقع ذلك فيقع هذا.
فموقع هذه الجملة الإسميّة شبيه بموقع الفعل بعد فاء السببية في جواب النفي.
وأما جملة {أفبنعمة الله يجحدون} فصالحة لأن تكون مفرّعة على جملة {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} باعتبار ما تضمّنته من الامتنان، أي تفضّل الله عليكم جميعًا بالرزق أفبنعمة الله تجحدون، استفهامًا مستعملًا في التوبيخ، حيث أشركوا مع الذي أنعم عليهم آلهة لا حظّ لها في الإنعام عليهم.
وذلك جحود النعمة كقوله تعالى: {إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقًا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له} [سورة العنكبوت: 17].
وتكون جملة {فما الذين فضلوا} إلى قوله تعالى: {فهم فيه سواء} معترضة بين الجملتين.
وعلى هذا الوجه يكون في {يجحدون} على قراءة الجمهور بالتحتية التفات من الخطاب إلى الغيبة.
ونكتته أنهم لما كان المقصود من الاستدلال المشركين فكانوا موضع التوبيخ ناسب أن يعرض عن خطابهم وينالهم المقصود من التوبيخ بالتعريض كقول:
أبى لك كسب الحمد رأي مقصّر ** ونفس أضاق الله بالخير باعها

إذا هي حثّته على الخير مرّة ** عصاها وإن همّت بشر أطاعها

ثم صرّح بما وقع التعريض به بقوله: {أفبنعمة الله يجحدون}.
وقرأ أبو بكر عن عاصم ورويس عن يعقوب {تجحدون} بالمثناة الفوقية على مقتضى الظاهر ويكون الاستفهام مستعملًا في التحذير.
وتصلح جملة {أفبنعمة الله يجحدون} أن تكون مفرّعة على جملة {فما الذين فضلوا برادي رزقهم}، فيكون التوبيخ متوجّهًا إلى فريق من المشركين وهم الذين فضلوا بالرزق وهم أولو السّعة منهم وسادتهم وقد كانوا أشدّ كفرًا بالدين وتألّبًا على المسلمين، أي أيجحد الذين فضلوا بنعمة الله إذْ أفاض عليهم النّعمة فيكونوا أشد إشراكًا به، كقوله تعالى: {وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهّلهم قليلا} [سورة المزمل: 11].
وعلى هذا الوجه يكون قوله تعالى: {يجحدون} في قراءة الجمهور بالتحتية جاريًا على مقتضى الظاهر.
وفي قراءة أبي بكر عن عاصم بالمثناة الفوقية التفاتًا من الغيبة إلى خطابهم إقبالًا عليهم بالخطاب لإدخال الروع في نفوسهم.
وقد عُدّي فعل {يجحدون} بالباء لتضمّنه معنى يكفرون، وتكون الباء لتوكيد تعلّق الفعل بالمفعول مثل {وامسحوا برؤوسكم} [سورة المائدة: 6].
وتقديم بنعمة الله على متعلّقه وهو {يجحدون} للرعاية على الفاصلة.
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}.
عطف على التي قبلها، وهو استدلال ببديع الصنع في خلق النسل إذ جعل مقارنًا للتأنّس بين الزوجين، إذ جعل النسل منهما ولم يجعله مفارقًا لأحد الأبوين أو كليهما.
وجعل النسل معروفًا متصلًا بأصوله بما ألهمه الإنسان من داعية حفظ النسب، فهي من الآيات على انفراده تعالى بالوحدانية كما قال تعالى في سورة الروم (21): {ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} فجعلها آية تنطوي على آيات، ويتضمّن ذلك الصنع نعمًا كثيرة، كما أشار إليه قوله تعالى: {وبنعمت الله هم يكفرون}.
والقول في جملة {والله جعل لكم} كالقول في نظيرتيها المتقدمتين.
واللام في {جعل لكم} لتعدية فعل {جعل} إلى ثانٍ.
ومعنى {من أنفسكم} من نوعكم، كقوله تعالى: {فإذا دخلتم بيوتًا فسَلّموا على أنفسكم} [سورة النور: 21]. أي على الناس الذين بالبيوت، وقوله: {رسولا من أنفسهم} [سورة آل عمران: 164]، وقوله: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} [سورة البقرة: 85].
والخطاب بضمير الجماعة المخاطبين موجّه إلى الناس كلّهم، وغلب ضمير التذكير.
وهذه نعمة إذ جعل قرين الإنسان متكوّنًا من نوعه، ولو لم يجعل له ذلك لاضطُرّ الإنسان إلى طلب التأنّس بنوع آخر فلم يحصل التأنّس بذلك للزوجين.
وهذه الحالة وإن كانت موجودة في أغلب أنواع الحيوان فهي نعمة يدركها الإنسان ولا يدركها غيره من الأنواع.
وليس من قوام ماهيّة النّعمة أن ينفرد بها المنعم عليه.
والأزواج: جمع زوج، وهو الشيء الذي يصير مع شيء آخر اثنين، فلذا وصف بزوج المرادف لثان.
وقد مضى الكلام عليه في قوله تعالى: {اسكن أنت وزوجك الجنة} في [سورة البقرة: 35].
والوصف بالزوج يؤذن بملازمته لآخر، فلذا سمّي بالزوج قرين المرأة وقرينةُ الرجل.
وهذه نعمة اختصّ بها الإنسان إذ ألهمه الله جعل قرين له وجبله على نظام محبّة وغيرة لا يسمَحان له بإهمال زوجه كما تُهمل العجماوات إناثها وتنصرف إناثها عن ذكورها.
و{من} الداخلة على {أنفسكم} للتّبعيض.
وجعل البنين للإنسان نعمة، وجعل كونهم من زوجة نعمة أخرى، لأن بها تحقّق كونهم أبناءه بالنسبة للذكر ودوام اتّصالهم به بالنّسبة، ووجود المشارك له في القيام بتدبير أمرهم في حالة ضعفهم.
و{من} الداخلة على {أزواجكم} للابتداء، أي جعل لكم بنين منحدرين من أزواجكم.
والحفدة: جمع حافد، مثل كَملة جمع كامل.
والحافد أصله المسرع في الخدمة.
وأطلق على ابن الابن لأنه يكثر أن يخدم جدّه لضعف الجدّ بسبب الكبر، فأنعم الله على الإنسان بحفظ سلسلة نسبه بسبب ضبط الحلقة الأولى منها، وهي كون أبنائه من زوجه ثم كون أبناء أبنائه من أزواجهم، فانضبطت سلسلة الأنساب بهذا النظام المحكم البديع.
وغير الإنسان من الحيوان لا يشعر بحفدته أصلًا ولا يَشعر بالبنوّة إلا أنثى الحيوان مدة قليلة قريبَة من الإرضاع.
والحفدة للإنسان زيادة في مسرّة العائلة، قال تعالى: {فبشرّناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [سورة هود: 71].
وقد عملت {من} الابتدائية في {حفدة} بواسطة حرف العطف لأن الابتداء يكون مباشرة وبواسطة.
وجملة {ورزقكم من الطيبات} معطوفة على جملة {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} وما بعدها، لمناسبة ما في الجمل المعطوف عليها من تضمّن المنّة بنعمة أفراد العائلة، فإن من مكمّلاتها سعة الرزق، كما قال تعالى في آل عمران {زيّن للناس حبّ الشّهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة} [سورة النحل: 14]. الآية.
وقال طرفة:
فأصبحت ذا مال كثير وطاف بي ** بنون كرام سادة لمسود

فالمال والعائلة لا يروق أحدها بدون الآخر.
ثم الرزق يجوز أن يكون مرادًا منه المال كما في قوله تعالى في قصة قارون: {وأصبح الذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون ويكأنّ الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر} [سورة القصص: 82].
وهذا هو الظاهر وهو الموافق لما في الآية المذكورة آنفًا.
ويجوز أن يكون المراد منه إعطاء المأكولات الطيّبة، كما في قوله تعالى: {وجد عندها رزقًا} [سورة آل عمران: 37]، و{من} تبعيضية.
و{الطيبات} صفة لموصوف محذوف دلّ عليه فعل رزقكم، أي الأرزاق الطيّبات.
والتأنيث لأجل الجمع.
والطيّب: فَيْعِلٍ صفة مبالغة في الوصف بالطّيِب.
والطِيبُ: أصله النزاهة وحسن الرائحة، ثم استعمل في الملائم الخالص من النّكد، قال تعالى: {فلنحيينه حياة طيبة} [سورة النحل: 97].
واستعمل في الصالح من نوعه كقوله تعالى: {والبلد الطيّب يخرج نباته بإذن ربه} في سورة الأعراف (58).
ومنه قوله تعالى: {الذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين} [سورة النحل: 32]، وقد تقدم آنفًا.
فالطيّبات هنا الأرزاق الواسعة المحبوبة للناس كما ذكر في الآية في سورة آل عمران؛ أو المطعومات والمشروبات اللذيذة الصالحة.
وقد تقدم ذكر الطيّبات عند قوله تعالى: {اليوم أحل لكم الطيّبات} في سورة العقود (5)، وذكر الطيّب في قوله تعالى: {كلوا مما في الأرض حلالًا طيّبًا} في سورة البقرة (168).
وفرع على هذه الحجّة والمنّة استفهامُ توبيخ على إيمانهم بالباطل البيّن، فتفريع التوبيخ عليه واضح الاتجاه.
والباطل: ضد الحقّ لأن ما لا يخلق لا يُعبد بحقّ.
وتقديم المجرور في قوله تعالى: {أفبالباطل} على متعلّقه للاهتمام بالتعريف بباطلهم.
والالتفات عن الخطاب السابق إلى الغيبة في قوله تعالى: {أفبالباطل} يجري الكلام فيه على نحو ما تقدم في قوله تعالى: {أفبنعمة الله يجحدون} [سورة النحل: 71].
وقوله تعالى: {وبنعمت الله هم يكفرون} عطف على جملة التوبيخ، وهو توبيخ متوجّه على ما تضمّنه قوله تعالى: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} إلى قوله: {ورزقكم من الطيبات} من الامتنان بذلك الخلق والرزق بعد كونهما دليلًا على انفراد الله بالإلهية.
وتقديم المجرور في قوله تعالى: {بنعمت الله هم يكفرون} على عامله للاهتمام.
وضمير الغيبة في قوله تعالى: {هم يكفرون} ضمير فصل لتأكيد الحكم بكفرانهم النّعمة لأن كفران النّعمة أخفى من الإيمان بالباطل، لأن الكفران يتعلّق بحالات القلب، فاجتمع في هذه الجملة تأكيدان: التأكيد الذي أفاده التقديم، والتأكيد الذي أفاده ضمير الفصل.
والإتيان بالمضارع في {يؤمنون} و{يكفرون} للدّلالة على التجدّد والتّكرير.
وفي الجمع بين {يؤمنون} و{يكفرون} محسنّ بديع الطباق.
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)}.
عطف على جملتي التّوبيخ وهو مزيد من التّوبيخ فإن الجملتين المعطوف عليهما أفادتا توبيخًا على إيمانهم بالآلهة الباطل وكفرهم بنعمة المعبود الحقّ.
وهذه الجملة المعطوفة أفادت التّوبيخ على شكر ما لا يستحقّ الشكر، فإن العبادة شكر، فهم عبدوا ما لا يستحقّ العبادة ولا بيده نعمة، وهو الأصنام، لأنها لا تملك ما يأتيهم من الرزق لاحتياجها، ولا تستطيع رزقهم لعجزها.
فمفاد هذه الجملة مؤكّد لمفاد ما قبلها مع اختلاف الاعتبار بموجب التّوبيخ في كلتيهما.
وملك الرزق القدرة على إعطائه.
والملِك يطلق على القدرة، كما تقدم في قوله تعالى: {قل فمن يملك من الله شيئًا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم} في سورة العقود (17).
والرزق هنا مصدر منصوب على المفعوليّة، أي لا يملك أن يرزق.
و{مِن} في {من السموات والأرض} ابتدائية، أي رزقًا موصوفًا بوروده من السماوات والأرض.
و{شيئًا} مبالغة في المنفيّ، أي ولا يملكون جزءًا قليلًا من الرزق، وهو منصوب على البدلية من {رزقًا}.
فهو في معنى المفعول به كأنه قيل: لا يملك لهم شيئًا من الرزق.
{ولا يستطيعون} عطف على {يملك}، فهو من جملة صلة {ما}، فضمير الجمع عائد إلى {ما} الموصولة باعتبار دلالتها على جماعة الأصنام المعبودة لهم.
وأجريت عليها صيغة جمع العقلاء مجاراة لاعتقادهم أنها تعقل وتشفع وتستجيب.
وحذف مفعول {يستطيعون} لقصد التعميم، أي لا يستطيعون شيئًا لأن تلك الأصنام حجارة لا تقدر على شيء.
والاستطاعة: القدرة.
{فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)}.
تفريع على جميع ما سبق من الآيات والعبر والمنن، إذ قد استقام من جميعها انفراد الله تعالى بالإلهية، ونفي الشريك له فيما خلق وأنعم، وبالأولى نفي أن يكون له ولد وأن يشبه بالحوادث؛ فلا جرم استتبّ للمقام أن يفرع على ذلك زجر المشركين عن تمثيلهم غير الله بالله في شيء من ذلك، وأن يمثّلوه بالموجودات.
وهذا جاء على طريقة قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربّكم الذي خلقكم} [سورة البقرة: 21]. إلى قوله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون} [سورة البقرة: 22]، وقوله: {وضرب لنا مثلًا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم} [سورة يس: 78].
و{الأمثال} هنا جمع مَثَل بفتحتين بمعنى المماثل، كقولهم: شبه بمعنى مشابه.
وضرب الأمثال شاع استعماله في تشبيه حالة بحالة وهيئة بهيئة، وهو هنا استعمال آخر.
ومعنى الضرب في قولهم: ضَرب كذا مثلًا، بَيّنّاه عند قوله تعالى: {إنا لله لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما} في سورة البقرة (26).
واللاّم في {لله} متعلقة بـ {الأمثال} لا بـ {تضربوا}، إذ ليس المراد أنهم يضربون مَثَل الأصنام بالله ضربًا للناس كقوله تعالى: {ضرب لكم مثلًا من أنفسكم} [سورة الروم: 28].
ووجه كون الإشراك ضرب مثل لله أنهم أثبتوا للأصنام صفات الإلهية وشبّهوها بالخالق، فإطلاق ضرب المثل عليه مثل قوله تعالى: {وقالوا اءالهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلًا} [سورة الزخرف: 58].
وقد كانوا يقولون عن الأصنام هؤلاء شفعاؤنا عند الله، والملائكة هنّ بنات الله من سروات الجِنّ، فذلك ضرب مثل وتشبيه لله بالحوادث في التأثّر بشفاعة الأكفاء والأعيان والازدهاء بالبنين.
وجملة {إن الله يعلم} تعليل للنّهي عن تشبيه الله تعالى بالحوادث، وتنبيه على أن جهلهم هو الذي أوقعهم في تلك السخافات من العقائد، وأن الله إذ نهاهم وزجرهم عن أن يشبّهوه بما شبّهوه إنما نهاهم لعلمه ببطلان اعتقادهم.
وفي قوله تعالى: {وأنتم لا تعلمون} استدعاء لإعمال النّظر الصحيح ليصلوا إلى العلم البريء من الأوهام. اهـ.